الفعل الكفاحي الذي مارسه الرفاق الانصار، لابد ان ينعكس على عوائلهم، و(ام اوراس) تتكلم كزوجة وأم ......
بالرغم من انّ قرار إلتحاق زوجي الرفيق احسان طبلة (ابو اوراس) بحركة الانصار، قرارا مشتركا، آمنّا به كفعل يعبر عن اصرارنا على النضال ضد الدكتاتورية، لكنه ولّدَ لدي شعورا كما لو ان جزءا مني انفصل عني.
بسفر احسان الى كردستان، فُرض عليّ ان اعيش غربة اخرى، ففراقه صعب جدا، خاصة واني اعيش في سوريا آنذاك، بعيدة عن اهلي وبلدي.
مّرت الايام واخذتنا الاحداث، وانغمرت في العمل الحزبي والديمقراطي، وفي نفس الوقت، قررت ان اضحك، ولا اظهر مشاعري الحزينة امام الاخرين. عليّ ان اعيش واعمل بشكل طبيعي، لكنّ وجودي كأمرأة، وزوجة نصير سلك طريقا لم تعرف نهايته، شكّل ضغطا كبيرا على حياتي اليومية في الغربة، بالاضافة الى قلقي المتزايد لعدم ورود اخبار من احسان الذي لم تصلني منه خلال الـ 9 اشهر الاولى اية رسالة.
بعد 5 اشهر من إلتحاق (أبو اوراس)، سمعنا بمعارك (بشتاشان)، وعلمنا بأنّ عددا كبيرا من الرفاق استشهد فيها، وكنا ننتظر ان نعرف اسماء الشهداء التي تأتينا من هناك. ان ذلك كله سيؤثر على عملي وعطائي وقدرتي على الاستمرار، لولا ايماني وعزيمتي واصراري على مواصلة النضال مهما كانت الصعاب.
ومن الصعوبات التي واجهتني في الغربة، وجود طفلتي (اوراس) التي رغم قوتها، ومعرفتها بالمكان الذي ذهب إليه ابوها، لكنها راحت تسألني عنه، وتتحرى اخباره. في احد الايام، وقعت بيدها مجلة فلسطينية صورة غلافها لمجموعة من (البيشمه ركة). أتت بالمجلة، وسألتني بلهفة وهي تشير الى الصورة: "ماما وين بابا؟"، تعجبت لسؤالها، تطلعت فيها دون ان اخفي دهشتي، سألتها ان كانت تعلم ان اباها يعمل معهم، قالت باعتداد: "نعم اعرف".
في احد الايام، وصلتنا رسالة من احسان وبداخلها بعض الصور. رأت اوراس صورة والدها والى جانبه صورة طفلة قروية، فرمتها على الأرض، وصاحت بغضب: "هذا ليس بأبي .. وجد له بنتا اخرى!". بعد فترة ارسل لنا وهو في مقر الاعلام صورة بشاربين. لم نره من قبل بهذين الشاربين، حين رأت اوراس الصورة خاطبتني بعصبية: "هذا مو بابا .. بابا ماعنده شوارب". كنت احس بمعاناتها، لكني في الوقت نفسه، وجدتها قوية مثابرة على دراستها.
لا تختلف معاناتي عما تشعر به الاخريات، فالاهتمام بزوجات الانصار لم يكن بالمستوى الذي يجب ان يكون عليه، خاصة ممن تواجدن في سوريا، او على الاقل لا تشملهن كلهن الرعاية الحزبية الضرورية. وعلى الرغم من عملي بدوام وظيفي كامل، ثم عملي الحزبي والديمقراطي المتواصل، لكني لم اشعر بان جهدي محط تقدير.
من جانب اخر، كنت اعيش مع والدتي ووالدي، وعلى الرغم من انهما متنوران، لكنهما عندما يشاهداني اخرج صباحا الى وظيفتي، ثم الى عملي الحزبي والديمقراطي، واعود نحو التاسعة ليلا، وانا ام وزوجي في الانصار، يعانيان كثيرا، وخاصة والدي الذي كان يلح بعدم التاخر، خشية كلام الناس. كنت اقاتل على اكثر من جبهة!، لكني تجاوزت الصعوبات، وقررت ان اتحمل قسوة الحياة، واكون قدوة لكل الرفيقات الموجودات في دمشق.
من كتاب الجمر والرماد للنصير المخرج علي رفيق