منذر احد مسؤولي سرية المكتب السياسي في مقر (نوكان – نوزنك) الذي يعج بالحيوية وحركة المفارز. في احد ايام خريف 1981، دعي منذر الى غرفة الإقليم للقاء الرفيق بهاء الدين النوري (أبو سلام) مسؤول الإقليم حينئذ. سلمه رسالة، وسأله عن كاتبها. كانت الرسالة من طالب جامعي من أبناء السماوة، يطلب فيها التواصل مع الحزب. أجاب منذر انه يعرف كاتب الرسالة، وهو من نشطاء التنظيم الطلابي في السبعينيات ومن عائلة عمالية. تم الاتفاق بان يتواصل منذر مع الطالب المذكور عبر منظمة كرميان التابعة للإقليم، اذ كانت لديهم صلات مع رفاق اكراد في الجامعة المستنصرية الذين تعرفوا على الطالب (ع) في خلايا ما يسمى بالصف الوطني. كتب له منذر رسالة خالية من التكليفات، مكتفيا بالتحية والتشجيع والحذر الشديد.
في ربيع عام 82، دعي منذر للقاء عضو (م. س.) الفقيد باقر إبراهيم الذي سلمه رسالة ثانية، وصلت من نفس الطالب، كجواب على رسالة منذر، سجل فيها فرحته بالتواصل مع الحزب. بعد ذلك تحدث الرفيق باقر عن توجه الحزب لإعادة بناء تنظيمات الحزب في الداخل، بالاستفادة من تواجدنا في كردستان لخلق الركائز في الداخل، وطلب من منذر ان يكون جزءا من العمل، ثم دعي منذر الى لقاء ثاني مع سكرتير الحزب الرفيق عزيز محمد حول نفس الموضوع، وأخبره ان عليه الانتقال الى منطقة (قرة داغ) نظرا لتزايد اعداد الملتحقين العرب وقربها من المدن العربية.
في اللقاء الثالث، اقترح منذر بعض الأسماء من أبناء المدينة لمشاركته في المهمة، فتمت الموافقة، وذهب الى مقر المكتب العسكري الجديد في (بولي واشقولكا - بشت أشان) لمفاتحتهم بالأمر. في هذا المقر، كان المسؤول العسكري الرفيق الفقيد بهاء الدين نوري. بعد الحديث معه عن الموضوع، رفض أبو سلام بشدة انتقال أي رفيق للعمل المدني، لان ذلك (كما يظن)، يسبب الارباك في الوحدات الانصارية المشكلة حديثا.
عاد منذر الى مقر (نوكان)، وبعد عدة أيام، خرج وسبعة رفاق بمفرزة بريد ذاهبة الى مقر فوج السليمانية. بقوا هناك ضيوفا لعدة أيام، ينتظرون تشكيل مفرزة ترافق مجموعة التنظيم الى قره داغ.
في اليوم التالي لوصولهم مقر الفوج الـ 15 في قره داغ، تلقوا توجيهات ببناء مقر منعزل خاص بهم. باشروا بالعمل، وتم بناء قاعة المقر وتوابعه وتجهيزه، بمساعدة مسؤولي الفوج الرفاق: جوهر وحمه رشيد قره داغي. بدأوا باستضافة الملتحقين الذين ترافقهم مفارز الأنصار، خاصة الملتحقين الجدد من السماوة والديوانية، وخلال هذا الوقت، يجري التأكد من شخصياتهم وظروفهم، وبعد أيام يتقرر مصيرهم، فمنهم من يطلب الذهاب الى ايران، واخرون يفضلون الالتحاق بفصائل الأنصار، وبعض اخر يبقى مع التنظيم المدني، من بينهم السيد الطالب الجامعي الذي كان يتراسل مع منذر عبر رفاق الإقليم، والذي عاد مجددا الى بغداد لمواصلة مهامه بعد أسبوع من تواجده بين رفاق التنظيم المدني.
بعد شهرين من التواجد في قره داغ، وصلت مجموعة من رفاق المنطقة الوسطى، وبنوا مقرا لهم أيضا. وبدأ نشاط فوج 15 بالتوسع وانتشار مفارزه، مما اضطر مسؤولي الفوج الطلب بضرورة مشاركتهم في الحراسات بالرغم من وجود حراسات خاصة بمقر التنظيم. بعد ذلك امتدت المشاركة لتشمل قضايا التموين وغيرها من المهمات الانصارية، وكانت جميع الامور تعالج بالتعاون وبالروح الرفاقية ومساعدة قيادة قاطع السليمانية الذي تشكل أوائل 83.
في ربيع 83، تفاقمت الخلافات مع (اوك) الذي بدأ يتضايق من تزايد قوة الحزب وتوسع نفوذه ونشاطه، واختلاف طريقته بالتعامل مع أبناء القرى في مناطق التواجد المشترك.
اضطر الحزب الى تجنب التصعيد، واتخاذ تدابير اخلاء المقرات التي نقلت او اخفيت موجوداتها في (قره داغ)، وخفضت اعداد السرايا، كما شكلت مفارز العمل السري في مناطق (كرميان كفري) بقيادة الرفيق (كاوة) ومساعده احمد بازوكة، اما في (قره داغ)، فبقيادة المناضل حمة رشيد قره داغي، والباقون ومعهم التنظيم المدني، انتقلوا الى مقرات الفوج السابع في هورامان احمد آوى.
بعد انتشار اخبار هجوم (اوك) الغادر على مقرات الحزب في (بشت آشان)، وتلفيقات النظام الفاشي بنهاية وتصفية الحزب الشيوعي، ازداد قلق أهالي الأنصار وتنظيمات الداخل، حيث بدأ التواصل مع المقرات ومنظمات الاقليم لمعرفة تطورات الاحداث وتداعياتها، مع وصول عدد من العوائل، وأيضا جاء احد الرفاق من تنظيمات الفرات (سعيد) الذي يحمل رسالة تسلمها منذر، والرسالة موقعة باسم المناضلة فوزية (ام سعد)، يطلبون فيها التواصل، ومقترحات عديدة، واستعدادهم لاستقبال رفيق لاطلاعهم على اخبار الحزب. وبسبب تعذر التواصل مع قيادة التنظيم المدني التي انسحبت من بشت آشان، اتفق منذر مع سعيد الذي عاد للداخل على لقاء في بغداد. في هذا الوقت تعرف منذر على بعض العوائل من الفرات الاوسط وبغداد، الذين كانوا في زيارة ابناءهم الأنصار، وحمله احد العاملين معه في التنظيم المدني، رسالة لتطمين اهله في مدينة الشعلة.
في نيسان 83، التقى منذر بسعيد في بغداد، ثم سافر الى (شهربان)، حيث رتب له سكن وعمل في معمل نجارة كبير يعود لاحد المناضلين الذي اضطر للابتعاد تجنبا لملاحقات ازلام النظام الفاشي في احد بساتين المدينة. بعد فترة توثقت علاقة منذر بصاحب المعمل، خاصة عندما عرف انه شقيق صديقه الرفيق إبراهيم الذي كان موظفا مبعدا من بغداد أوائل السبعينيات.
تعلم منذر مهنة النجارة والعمل على المكائن، ومشاركة العمال الاخرين في صنع أبواب البيوت وغرف النوم. وبعد أيام من الاستقرار النفسي النسبي، سافر الى بغداد للقاء رفاق الفرات الاوسط، وبذات الوقت لتجنب المطالبات بالالتحاق بقواطع الجيش الشعبي، والابتعاد لمدة شهرين، ثم يعود ويخبر السائلين، انه كان في قاطع للجيش الشعبي، وهي مدة القواطع المعتادة.
كان يقضي فترة غيابه عن شهربان، بلقاءات سريعة مع رفاق الفرات، وزيارة الأقارب والأصدقاء من أبناء مدينته الذين يثق بهم. تمكن من اعادة صلات حزبية بسيطة، مكتفيا بالحديث عن الحزب ونضاله في كردستان، وفي الحقيقة كانت فرص اعادة التنظيم صعبة جدا، لوجود معظم العراقيين تقريبا في جبهات الحرب، لكن اللقاءات كثيرا ما تحصل خلال نزول الجنود في الاجازات فقط، وكان منذر يخفي عن الجميع تقريبا كل شيء، ماعدا انه متعب من تكرار مشاركاته في قواطع الجيش الشعبي، واضطراره للسفر والتنقل احيانا. كان يرى بالصدفة بعض الأنصار القادمين للعمل في الداخل، ويكتفي بتحيتهم من بعيد، التزاما بتوجيهات الحزب بتجنب اللقاء مع رفاق اخرين من مدن ومناطق أخرى.
كانت لقاءات منذر محصورة بمعارفه الذين بقوا متخفين في بغداد والمحافظات، ومن بينهم المنظم الفذ الراحل احمد البغدادي (أبو علاء) عضو مكتب الفرات، والمناضلة فوزية (ام سعد)، والرفيقة رسمية الوزني (ام لينا). تجري هذه اللقاءات بحذر شديد، وتختصر على تبادل الاخبار الشخصية. في احداها، وفروا لمنذر كتاب رسمي من شخص مشارك في الجيش الشعبي، يمنح عادة بعد انتهاء خدمته في القاطع المعين. هذا الكتاب يعفيه لمدة شهرين او ثلاثة، حتى تحين دعوته للمشاركة مجددا.
اخذ احمد الكتاب المطبوع معه الى (شهربان)، واخبر صاحب العمل به، فطلب الاخير ان يذهبا معا الى بغداد، وفيها زار صديقه ورفيقه العتيد الخياط توفيق ناجي، الذي تكفل بتغيير التاريخ والاسم ليتطابق مع الاسم في دفتر الخدمة العسكرية المزور، والذي سيحمله منذر خلال حركته.، ((بعد سقوط النظام الفاشي، عرف منذر، ان الذي قدم له الخدمة الجليلة في تعديل الكتاب المذكور هو شقيق النصير (حيدر) الذي يعرفه من أيام نوكان)).
اثناء فترة وجوده في (شهربان)، تعرف منذر على مناضلين، يشاركهم الحديث عن تعسف البعثيين، ومآسي الحرب وتداعياتها، من دون ان يبين لهم انه من معارضي الحكم. كان يتردد على محل النجارة الكثير من العسكريين للتبضع، بالاضافة الى ازلام الجيش الشعبي الذين يدعون الناس للتطوع، فكان منذر يهرب الى وسط البستان عبر الباب الخلفي. في احدى المرات قال لهم، انه يشارك في قواطع مدينته، ومع اقاربه واصدقائه، وليس من المعقول ان يشارك في قواطع مدينة اخرى.
في بغداد، زار منذر عائلة النصير (أبو العلا) الذي سبق وان تعرف على والدته اثناء زيارتها لمقر الأنصار في (احمد آوى). وفي الزيارة الثانية لهم، التقى بقريبتهم، تسأل كثيرا عن الحزب وحركة الانصار وعن (أبو العلا). عرّفت نفسها: بانها ابنة خالته وخطيبته، وطلبت من منذر اللقاء في مكان اخر للتحدث عن بعض صلاتها. بعد أيام التقى بها منذر، واخبرته ان لدى عائلتها بيت فارغ ومتروك في منطقة العامرية، ويمكنه الاستفادة منه. بعد يومين، ارشدته الى البيت، وتسلم منها المفتاح، وكان مناسبا للسكن المؤقت، تم تجهيزه من قبل خاله الذي يسكن الكاظمية، حيث وفر له افرشة وتليفزيون صغير وأدوات مطبخ. يقع البيت في شارع فرعي يؤدي الى شارع عام. في بداية الشارع العام يقع مقر للبعثيين، يجلس في بابه على الرصيف ليلا نهارا، ثلاثة او اربعة منهم. يضطر منذر للمرور من امامهم في الساعة السابعة صباحا، ويعود بعد الثالثة عصرا وفي يده جريدة الثورة، ليوحي لهم: انه موظف حكومي!. زار منذر أيضا والد النصير (محمد) من أهالي الشعلة، حيث حمله رسالة الى والده المناضل الشيوعي الذي يعمل مديرا لبريد مدينة الشعلة. اصرّ والد محمد ان يرافق منذر الى بيته، من اجل طمأنت ام محمد على ولدها.
النصير الشيوعي العدد 41 السنة الرابعة كانون الاول 2025