لليوم اتذكر تلك اللحظات عند اول مرة اشارك بالانتخابات, حيث كنت اشعر انني اقوم بفعل عظيم, الروح الثورية تقودني نحو صناديق الانتخابات, لاختار من يمثلني بكل حرية, لست وحدي من شملني هذا الاحساس, بل كانت الفرحة على وجوه كل الناس, فهم يرسمون مستقبل العراق, ويمكن ان نطلق عليها ثورة البنفسج, رجال ونساء شيوخ وشباب, حتى الاطفال كانوا يسعون مع ذويهم لصبغ اصابعهم باللون البنفسجي, صرخة اعلان عن المشاركة في ثورة يكون الصوت هو الذي يبني العراق.
في يوم الانتخابات تفتح الأرض أبوابها أمام صوتٍ ينمو في عمق الصدور, يبدأ صغيرا ثم يزدهر ويدوي في افاق الكون, هي ليست المشاركة مجرد خطوة خشنة على باب المكتب، بل هي همسة اجتماعية تقود القلوب إلى حضن المدينة، حيث يتقاطع الحلم بالحقيقة وتتلاقى الأصوات في نسيج واحد.
- همس الناخبين
أحاديث الساعين لإصلاح حال البلد كثيرة ومتشعبة وجميلة, عندما ننصت لها تجعلنا نفخر بهذا الشعب الغيور على بلده... دعوني أحدثكم عن تلك اللحظات.
اتذكر جيدا كلمة قالها لي جاري ابو علاء عندما سألته ذات مرة عن يوم الانتخابات.. فقال: صدّقني يا أخي ان صوتي لا يغير العالم فجأة، لكنه يبدد ظلال اليأس من حوله, وكل صندوق اقتراع يحمل وعداً بسيطاً, وفرصة أن تكون خطوتك نحو الصندوق زهرة في خريطة المستقبل، وأن نرى ان مشاكلنا الحالية, تزول بفعل اصرارنا على المشاركة بالتغيير, حين أشارك أشبه بمقاتل يخرج ليزيح الفساد بصوته ويجعل الحياة اجمل.
كانت كلماته كلام شاعر يعشق بلده حد الجنون, ويشعر بانه سيغير الكون عبر المشاركة برسم مستقبل البلد بواسطة الاختيار الحر الواعي.
اما كلمات حجي جبر الذي قارب الثمانين فمازالت مدوية في ذاكرتي.. حين قال: نعم ان المشاركة هو الية الاصلاح الافضل, فعبر الاختيار الواعي لمن يمثلنا في الدورة النيابية القادمة, سيكون تعديل هنا وتغيير هناك للقوانين, إصلاح هنا وكشف المستور هناك, المشاركة هي من تجعل الاصلاح متاحا للشعب, إنا اعترفٌ بأن صوت الجماعة يكون أقوى من صوت الفرد، وأن بيننا ميثاقاً غير مكتوب يحثّنا على المساءلة والاحترام والتضامن.
ما يقوله حجي جبر يعبر عن ما ينبض به قلب كل عراقي, يحلم بمستقبل ساحر للأجيال القادمة.
- صباح يوم الانتخابات كفجر العيد
في صباح يوم الانتخاب، يتداخل الضوء مع وجوه الناس في الطرقات، الكل فرحة سعيدة مستبشرة, تنظر للعيون, وتترجم إلى كلماتٍ, يسري صداها في المقاهي والمدارس والدوائر الحكومية, يفيض الحيّ بالحياة, يوم لا يشبه ما قبله, حين يخرج الجميع إلى المحطة الانتخابية، لا بحثاً عن مكسبٍ شخصي فوري، بل عن درسٍ جماعي بأن الأمل لا يموت, حين نقابله بمسؤوليةٍ حضارية ونتحرك بتصميم حر للانتخاب.
صباح الانتخاب يشبه تماما صباح العيد, حيث الكل في سعادة ونشاط, الكل يتبادلون التهاني والتبريكات, والتفاؤل سمة الكل.
فما أجمل أن ندرك أن كل بطاقةٍ انتخابية ندخلها في صندوق الاقتراع تشبه قلم تُلامس صفحةً من كتب المستقبل, صفحةٌ ستُسجل فيها القيم التي نريدها، والعدالة التي نسعى إليها، والكرامة التي نمنحها لبعضنا بعضاً.
فليكن صوتنا سفينةً صغيرة في بحرٍ واسع، تقودنا إلى شاطئٍ الامان, حيث نستطيع فيه أن نعيش كما نحلم.
- لنحقق حلم الأجيال السابقة
من ذلك الزمن القبيح تسبح الامنيات في السماء, هي امنيات لا تموت بل خالدة, حيث كانت الاجيال الراحلة تحلم بان تصنع الواقع عبر صناديق الاقتراع, وليس بواسطة "كلاشنكوف" الطاغية وزبانيته "الرفاق العفالقة العابثون بالحياة", الذي حول البلاد لسجن كبير, مازال صدى الازقة وهمس الشباب, بأن هناك يوم سيأتي ويصبح الانتخاب حرا نزيها, وعندها يسقط كل طاغية عبر صناديق الانتخاب, وليس بعمليات عسكرية وتدخل دولي, كنا نحلم بانتخابات حرة تجري, ويتحرك الشعب ضد صدام, لنركله خارج أسوار البلاد, ونصفعه بأصواتنا الانتخابية, كي يرتاح العراق وشعبه من شيطنته, لكن لم يتحقق حلم الانتخابات الحرة في زمن ولد تكريت الأحمق.
كانَ الأجدادُ يزْرعونَ في الأرضِ تقاويمَ من حبرٍ ونجوم، ويزرعونَ في القلوبِ أملَ أن يأتيَ يومٌ يَؤْتي فيهِ كلُّ صوتٍ سليمٍ، صوتُ كلِّ مَن يملكُ فكرةً ومسؤوليةً تجاهَ الغدِ.
إن الانتخاباتُ هي حوارٌ طويلٌ مع الذاتِ ومع الآخرينِ، مع تاريخٍ عِطرٍ, ومع أفقٍ لم يتوقفْ عن التوهجِ, تصلُ الأصواتُ فيُقالُ إنّ التعددَ هو سيدُ الحقيقةِ، وإن الاختلافَ ليس عداءً، بل تكاملٌ يَهْدينا إلى صورةٍ أوسعَ من أقوالِ الشخصِ الواحدِ.
فدعونا نحقق حلم تلك الأجيال المحرومة, التي رحلت على الدنيا وهي تحلم بالفرصة المتاحة لنا.
- بصوتك تبني المستقبل
الاجيال تبحث عن العدل والخلاص من الفساد, وهذا الحلم يلمع مثل ضوء في بداية فجر جديد, وهو ممكن ان يصبح حقيقة بهمة الشعب المتوحد, ارادة تجتمع للتغيير, عبر صناديق الانتخاب, نشارك بحثا عن رد المظالم, نشارك بصوتنا ونبني المستقبل, صوت الناخبين الهادر ليس مجرد اهتزازات في الهواء, بل ثورة تربط الحاضر بالمستقبل, وحركة انقلاب سلمية ضد الفاسدين, عبر حق دستوري, نافذة تفتح على الغد لتجعل كل احلامنا حقيقة, نشارك بالانتخابات كي لا يعود لنا امثال صدام وزبانيته بالزي الزيتوني, ليتحكموا في حياتنا, يجب ان نشارك كي نحافظ على العدل والأمل.
ثبات المستقبل يقاس بقدرتنا على استغلال صوتنا في تغيير الواقع, فلا نفرط بالفرصة التي أعطاها لنا الدستور, ونذهب مبكرين لنكون اول من يضع خطوة للمستقبل.
فَليَكُنْ صوتُكِمُ يا شركاء الوطن واحباء الحياة، شهادةَ حياةٍ تتَّحدُ في كلماتٍ قليلةٍ, ولكنها عُمرٌ كاملٌ من المسؤوليةِ والوعي. فالصوتُ الانتخابي ليسَ مجردَ حركةٍ ورقة توضع في صندوقٍ، بل هو عمل واعي للتمسك بالأملِ، ويَصْنعُ من الحاضرِ جسراً يصلُ ما بينَ ما كانَ وما يُرادُ أنْ يكون, كما نحلم ليكون واقعا, حيث المستقبلٌ الذي يَنبضُ بالعدلِ، وكرامةٍ تتسعُ للجميعِ. وكل هذا يكون واقعا عبر الصوت الواعي.. فصوتك يبني المستقبل.