يحتفل الشعب العراقي في هذه الأيام بالذكرى السادسة والستين لثورة 14 تموز الخالدة، الحدث السياسي الأبرز والأهم في مسيرة الشعب العراقي النضالية، نحو الحرية والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.

لم تكن ثورة (14) تموز حدثاً عابراً، أو رد فعل انتقامياً، أو إرادوياً، بل جاءت كضرورة موضوعية، وحاجة ملحة، املتها الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهيمنة أقلية حاكمة مستبدة، ربطت العراق بالأحلاف العسكرية، وانتهجت سياسة معادية، ليس لشعبنا وحسب، بل ولمصالح شعوب المنطقة.

بيد ان الأحزاب الحاكمة والقوى المتنفذة اليوم هي الأخرى كشفت بوضوح عن نزعتها الطبقية والأيديولوجية في العداء للجمهورية، فهم كأقلية حاكمة - اوليغارشية متماهية مع ظاهرة الفساد قد بذلت منذ التغيير في ٢٠٠٣، محاولات حثيثة لالغاء قانون الاحوال الشخصية وغيره من القوانين، ومن بينها اعتبار يوم انضمام العراق الى عصبة الامم في ٣ تشرين الأول 1932، عيدا وطنيا، فيما الذي حصل هو ان العصبة قد انهت الانتداب شكلياً، مع بقاء الهيمنة البريطانية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، فكان حدثاً لم يشغل ولو حيزاً صغيراً في ذاكرة المواطن العراقي على عكس يوم 14 تموز، الذي لم تستطع الحكومات المتعاقبة والمتآمرون عليها محوه من ذاكرة الشعب العراقي، فهو قد ارتبط بانتصار إرادة الجماهير، وبالإنجازات الكبيرة التي حققتها الثورة. 

هناك من يحاول التشكيك بالمشروعية التاريخية للثورة، ويعتقد ان العراق كان ممكن ان ينمو ويتطور سلمياً ولو ببطء بدون ثورة 14 تموز، وهذا مجانب للحقيقة بصورة مطلقة، فالأقلية الحاكمة في العراق آنذاك باستبدادها وقمعها للمعارضة الوطنية وتزييف الانتخابات والتلاعب بنتائجها أغلقت الباب امام فرص التطور الديمقراطي السلمي وباتت تشكل حجر عثرة أمام التطورات المطلوبة موضوعياً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

فعلى الصعيد الاقتصادي الاجتماعي، تعمق التفاوت الطبقي في كل من المدينة والريف، وقد اتخذ هذا التفاوت أبعاداً أوسع في الريف، فالظلم الذي أحاق بالفلاحين دفع مئات الألوف منهم الى ترك ديارهم، والهجرة إلى المدينة، حاملين اليها أوضاع المجتمع الريفي الفقير والمتخلف، وكان قد بلغ التفاوت بين ملكية الإقطاعيين للأراضي الزراعية وملكية الفلاحين حدّاً لا مثيل له في أي بلد في العالم، وان 3% فقط من مجموع مالكي الأراضي الزراعية كانوا يمتلكون ثلثيها في عام 1958، وكان هناك (8) ملاكين عراقيين بحوزة كل واحد منهم اكثر من (1,000,000) دونم.

أما القطاع الصناعي فقد حرم من أموال مجلس الإعمار بحجج واهية، وظلت الشركات الاحتكارية الأجنبية تحتكر معظم تجارة التصدير والاستيراد.

وعلى الصعيد السياسي مارست الحكومات المتعاقبة في العهد الملكي سياسة الحديد والنار ضد التظاهرات السلمية، والمطالب الفلاحية، وارتكبت المجازر الدموية، وصادرت الحريات العامة والشخصية، وزجت المئات بل الآلاف من خيرة أبناء الشعب العراقي في السجون والمعتقلات مستخدمين معهم التعذيب ونزع الجنسية العراقية. كما نُفذت الإعدامات بعد محاكمات جائرة بحق العديد من المناضلين البواسل وفي طليعتهم قادة الحزب الشيوعي «فهد- حازم- صارم»، وعُلّقت جثامينهم الطاهرة في الساحات العامة، وراح الحكم الملكي يتآمر ضد الدول العربية، وسعت قياداته بكل قواها الى ربط العراق بالأحلاف العسكرية، فانضمت الى حلف بغداد، بعد بطشها بالشعب وقواه الوطنية، وبذلك فضحت نفسها اكثر فأكثر باعتبارها فئة عميلة للاستعمار.

وكان موقف العهد الملكي مخزياً من العدوان الثلاثي على مصر في 29 تشرين الثاني 1956، فاندلعت انتفاضة تشرين وتوجت بانتفاضة الحي الباسلة في نهاية العام.

ان ما حدث في تموز لم يكن انقلاباً عسكرياً كما يزعم خصومه بهدف نزع مشروعية الثورة التاريخية، فالانقلاب العسكري يقتصر على تغيير النخبة الحاكمة بالعنف وتبديلها بأخرى، أما دور الجماهير فيكون متفرجاً عموماً، بعكس الثورة التي تستهدف تغييراً جذرياً في العلاقات الطبقية للمجتمع، وتلعب الجماهير دوراً حاسماً في صنعها وتقرير مصيرها، وهذا ما حصل في ثورة 14 تموز المجيدة، حيث هذا التلاحم الرائع بين الجماهير الشعبية والقطعات العسكرية الثائرة، وما حصل أيضا قد مهّد لها سياسيا وحدة القوى الوطنية في جبهة الاتحاد الوطني. 

لقد أطلقت الثورة الحريات العامة والنشاطات الحزبية، فأمكن خلال فترة قصيرة تحقيق أهداف ومكاسب هائلة لشغيلة المدن والريف ولعموم الشعب العراقي، وشرعت حكومة الثورة قوانين غاية في الأهمية، فبالإضافة الى قانون الأحوال الشخصية رقم (118) لسنة 1959، شرعت أيضا قانون الإصلاح الزراعي رقم (30) لسنة 1958، وقانون رقم (80) لسنة 1961 الذي حرر 99,5 في المائة من الأراضي النفطية، التي كانت الشركات الاحتكارية قد استولت عليها، وغيرها من القوانين التقدمية.

وكان أعداء العراق والديمقراطية، قد باشروا التآمر على الثورة والعمل على إسقاطها منذ الأيام الأولى لاندلاعها، وقد هيّأ الأرضية المناسبة لنجاحهم، تراجعُ قيادة الثورة أمام ضغط هذه القوى الرجعية بما يشبه الاستسلام وممارساتها الفردية والمناهضة للديمقراطية. وقاد ذلك الى انقلاب البعث الفاشي يوم شباط 1963، بدعم وتخطيط وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية، ليدخل العراق في نفق هو الأشد ظلاماً من كل الفترات السابقة، وكان بداية لتدمير العراق شعباً ووطناً وحضارة، وصولاً الى النظام الدكتاتوري الفاشي المقبور، وما جرّه على العراق من دمار وخراب استثنائيين.

ومنذ سقوط هذا النظام بالحرب والاحتلال الأمريكي في 2003، وتسلّم الأحزاب المتنفذة الحكم، وهي تسعى لتغييب ذاكرة الشعب العراقي، والغاء ذكرى ثورة (14) تموز الخالدة، لانها بالضد من اجندتهم السياسية والطائفية فهم لا يريدون للشعب العراقي ان يقارن بين نزاهة قادة الثورة ولصوصيتهم مع حاشيتهم ونهبهم لثروات العراق، لأن ذلك من شأنه ان يرفع من وعي الجماهير ويشجعها على التمرد ومعارضة منظومة المحاصصة والفساد والسعي للخلاص منها. كما يريدون تمييع الوحدة الوطنية التي جاءت بها الثورة حتى يبقى لهم منفذ لممارسة افكارهم الطائفية والرجعية، وما انتجته من محاصصة مقيتة وفساد صار مؤسسة وآفة وعقبة كأداء، وقد حقق لهم مجلس النواب مبتغاهم فألغى يوم (14) تموز من قائمة الأعياد الرسمية، وهو الأحق والأهم بتسمية العيد والاحتفال به.

لكن ما فعله هؤلاء لن يغير من الواقع شيئاً، لان وجدان وضمائر العراقيين ما زالت تحتفظ بكل اعتزاز ومحبة لثورة (14) تموز التي نقلت العراق من التخلف والقمع والسير بعكس التاريخ الى عصر التنوير والحداثة، وفتحت امامه آفاق التطور والتقدم والعيش الكريم، وهذا ما سوف يتحقق طال الزمن أم قصر، بفضل نضال الجماهير المكتوية بتداعيات الأزمة العامة على مختلف الصعد. وفي طليعة الجماهير ستكون القوى المدنية والديمقراطية والشيوعيون وهم يسعون الى تجميع وتوحيد الطاقات والإمكانات الوطنية المخلصة وتغيير ميزان القوى لصالح مشروعهم الوطني الديمقراطي، وبناء النظام الديمقراطي الحقيقي وتحقيق العدالة الاجتماعية.

مجداً خالداً لثورة (14) تموز المجيدة.

وعطاءً ثراً للجماهير الشعبية صاحبة المصلحة الحقيقية فيها وفي إنجازاتها.

الخزي والعار لكل أعداء الشعب والوطن.

اللجنة المركزية

للحزب الشيوعي العراقي

١٠-٧-٢٠٢٤