تمر اليوم الذكرى 107 لقيام ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى، التي كنس فيها تحالف العمال والفلاحين والجنود وعموم الكادحين عروش الطغاة، ونقل شعوب روسيا القيصرية من هيمنة سلطة الإستغلال والقهر، سلطة التخلف والجهل والفقر والفوضى والتمييز الطبقي، الى مجتمع الحرية والعدالة والتقدم العلمي والحضاري، المجتمع الذي صار مثالاً يكشف عن بشاعة الرأسمالية وإرتباطها العضوي بالعبودية والبؤس الثقافي وتشويه المعرفة، ويلهم البشرية القدرة على الكفاح لتحقيق حريتها وسعادتها وخلاصها.
لقد تمكّنت شعوب الإتحاد السوفيتي خلال سنين قليلة من تخطي التخلف الإقتصادي والثقافي، وبناء دولة عظمى، حققت منجزات غير مسبوقة في مستوى الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والنقل والسكن والطرقات والتغذية ورعاية الأطفال والحاجات الثقافية، وقضت تماماً على الأمية، وغزت الفضاء، وتحققت في ظلها ولأول مرة في التاريخ المساواة الحقيقية بين المرأة والرجل وبين القوميات، وساهمت بشكل رئيسي في القضاء على النازية والفاشية وفي تفكيك النظام الكولونيالي وتقديم كل اشكال الدعم لمجموعة كبيرة من الشعوب المستعبدة لإنجاز استقلالها وتحقيق تنمية بلدانها، وبقيت نصيرا للحق والسلم، وأعاقت الهيمنة الكاملة للأمبريالية على العالم.
ويعود لثورة اكتوبر العظمى الفضل في الكشف عن قانون الثورة وارتباطها بحدوث أزمة وطنية عامة، رفضت فيها الأغلبية الساحقة العيش تحت سلطة السائد، وخاضت سلسلة من الإنتفاضات والهبات الواسعة، لتحقيق هدف مشترك واحد، هو الحرية والعدالة الإجتماعية، وتمكّنت بقيادة البروليتاريا، أكثر الطبقات ثورية، من تحديد لحظة إشتعال الحريق الثوري الذي أسقط سلطة الحروب وحقق أولى الخطوات على طريق السلام والتضامن بين البشر.
لم تكن الثورة فعلاً إرادوياً ومبالغةً في أهمية العامل الذاتي، كما يروج البعض، بل جاءت قراءة مبدعة للماركسية في ظروف روسيا، وكانت حصيلة لتراكم الخبرة الثورية، وإستجابة لرفض ملايين الناس للواقع وإستعدادهم للعمل المنظم من أجل إجهاض الردة البرجوازية عن اهداف ثورة شباط، وتراجعها عن ابرام السلم وعن توفير الخبر للجياع والارض للمعدمين في الريف.
ولم تكن ثورة عنيفة ودموية، كما يسعى الإعلام الإمبريالي تصويرها، متناسياً عمداً الدفاع المشروع عن النفس ضد العنف البشع الذي مارسه اتباع القيصر الكورنولوفيون وحلفاؤهم من برجوازيين واقطاعيين وجيوش دول امبريالية معتدية. واخيراً مثلت سلطة الثورة تعبيراً ديمقراطياً حقيقياً عن إرادة اغلبية الناس.
في كل عام، حين تحل الذكرى، يغمرنا نحن الشيوعيين وكل محبي الخير والسلام في العالم، شعور بالفخر مما تحقق، ويقين لا يتزعزع بقدرة الطلائع الثورية على المواصلة واستيعاب الدروس وتصحيح الأخطاء والوثوب من جديد، كي يزول الليل وتبزغ شمس الحرية والعدالة من جديد.