بناء المدن والعمارات الشاهقة يحتاج إلى سنوات طويلة، ولكن بناء الإنسان يحتاج إلى عقودا...!)ا
بهذه العبارة استهلّ صديقي أبو آدم حديثه عن زيارته إلى القلعة. تلقى دعوة من صديقه القديم كاوه، الذي يسكن في شمالها، دعوة وصلته برسالة، ربما على الواتساب، الماسنجر، أو قد تكون حلمًا طيفيًا عابرًا. "دعوة كهذه يجب تلبيتها"، قال لنفسه، خصوصًا بعد انقطاع دام خمسة عشر عامًا عن زيارته السابقة. وعلى الرغم من أن صداقتهما ليست قوية، إلا أن أبا آدم ازداد فضولًا لرؤية ما تغيّر حول القلعة، بعدما أكد كاوه أن التطور غيّر ملامحها.
في المطار، استقبله كاوه بترحاب، وقاد السيارة بنفسه ليريه الطريق إلى القلعة. أشار بيده اليمنى نحو العمارات العالية الأنيقة، ولاحظ الانبهار في عيني أبي آدم، وقال له:
"هذا جميل ورائع!"
طوال الطريق، تزينت جوانب الطريق بالنباتات، الأشجار المتنوعة، والعمرات الشاهقة الباهرة التي فتحت قلبه وشعر معها بالفرح. وفي طريقهما نحو بيت كاوه، بادر الأخير قائلاً:
"إذا أردت الذهاب إلى أي مكان، فقط أخبرني."
ثم أضاف :
"لكنني لا أنصحك بالذهاب تحت القلعة."
شعر أبو آدم حينها بشيء من الاستغراب والفضول. لماذا لا يريد صديقه كاوه أن يرى ما تحت القلعة...؟ شعر بأن هناك شيئًا غير مرغوب بكشفه، لكنه لم يعلّق، واكتفى بإيماءة هادئة برأسه، بينما قرر في داخله أن يغامر يومًا ما ليرى ماذا يوجد هناك. وكما في حكايات المغامرين، أراد اكتشاف القلعة بنفسه، ولو خلسة...!ا
سألته بفضول...؟
"هل ذهبت إلى تحت القلعة؟"
ابتسم أبو آدم وقال:
"نعم، ذهبت منذ اليوم الأول دون علم صديقي كاوه."
"وماذا رأيت؟"
نظر إليّ بنظرة غريبة، وقال:
"رأيت أشياء لا تسر القلب، قد يصعب على العقل تصديقها. فوضى بكل معنى الكلمة، لا قانون ولا نظام، وكأنها أي مدينة شرقية صاخبة بالصراخ والضجيج. الناس هناك منشغلون فقط بأمورهم اليومية، يأكلون ويشربون ويعيشون دون أن يفكروا بما هو أفضل. حتى أصدقائي القدامى، الثوريين الذين التقيت بهم تحت القلعة، استسلموا لهذا الوضع السيئ .ا
يجتمعون لانتقاد السلطة فيما بينهم، لكنهم لا يجرؤون على ذلك علنًا
وأضاف بغضب:
"أتعجب من هؤلاء الفقراء الذين بالكاد يجدون قوت يومهم، ومع ذلك يهتفون باسم الرب والسلطان!"
تحت القلعة رأيت الناس من جنسيات مختلفة، من العراق، ومن بلدان أخرى كالهند وبنغلاديش وتايلند، يأتون للبحث عن عمل، علاج، أو حتى التسول، فربما لا يجدون ما يحتاجون إليه في بلدانهم.
في أحد الصباحات، جلسنا حول الفطور، فسألني كاوه، مالك القلعة وقصورها، وهو يعيش حياة مترفة، قائلاً:
"هل أنت مرتاح في البيت الذي أقيمت فيه؟"
أجبته قائلاً:
"،اجبت بنعم, لكن يا صديقي كاوه البعيد عن تفكيري بمسافات الأميال
كما تعرف انني أحب اهلك الطبيين الذين ساعدوني يوما ما عندما كانت ظروفي. صعبة . لكن لديّ سؤالاً، لماذا لم ترغب في أن أذهب تحت القلعة؟"!؟
ضحك هه.. هه وقال
"ليس لدي مانع، لكنني فضلت ألا تذهب من أجلك؛ فأنت رجل كبير في السن، ولا أريد أن تؤثر عليك رؤية تلك الظروف، بل ربما تضرك. الناس هناك تعودوا على هذه الظروف، وأنا مرتاح لأنهم قانعون بما لديهم."
نظر أبو آدم بعيدًا وقال متأملاً:
"أريد أن أموت عاريًا تحت الشمس في الغربة، بعيدًا عن صلوات الدجالين."*
--------------------------------------