تستيقظ كل صباح شاعرةً بالقلق، لماذا يحصل ذلك، لماذا تنسى أحلامها غالباً، ليلها فيلم حلمي سوريالي إلى أبعد الحدود، تفز في أثناء نومها مراتٍ عدة، تجلس في سريرها، تشرب جرعة ماء، تريد تذكّر ما قبل اليقظة، تعجز عن ذلك.
إلامَ تعزو الأمر هل لضعف ذاكرتها...أم لعدم تدوين يومياتها...تطور الانشغال إلى خوفها من إصابتها مبكراً بمرض الزهايمر...ارتعبت.. ماذا تفعل هل تراجع طبيباً نفسياً أم تدمن القراءة في تفسير الأحلام؟ أسرّت بذلك لصويحباتها، الموظفات معها في دائرة عملها وأخريات ربات بيوت في مجموعتها الفيسبوكية، التي استحدثتها مؤخراً، وأسمتها بئر الأحلام.
سألتها إحداهن: لماذا هذا الاسم، فروت مشكلتها..
قالت لها أخرى؛ ما دمت لا تذكرينها، فإنها أضغاث أحلام، وأخرى ؛ تتحسبين في يومك لكل شيء، وهذه نتيجة الحسبة، وثالثة قالت لها؛ من علمني حرفاً ملكني عبداً، إذهبي إلى تفسير الأحلام.
ورابعة هي صديقتها الحميمة، تعرف كل شيء عنها، تعرف قصة حبٍ فاشلٍ أو صامتٍ بينها، وبين شخص متزوج، لم يشأ أن يخدعها، حين عرف أنها أرملة حسنة السمعة، بعلاقة حب معلقة، وهو الذي لا يستطيع الزواج منها.
قالت لها تلك الصديقة: أيكون لتلك القصة سبب في ذلك؟
ردت متجاهلةً ذلك الأمر: لا.. لقد أصبح طي النسيان
ردّت: ليس هناك أمر مهم في حياتنا، يبتلعه النسيان، هو يقبع في اللاوعي، يتلون في أحلامك ألواناً شتى.
أجابت: ولكن كيف أميزه، إذا كنت لا أتذكّر أي شيء؟
اتسعت حلقة النقاش الافتراضي، فقالت صديقتها التي يسمينها المثقفة لغوايتها عالم الكتب: إذهبي إلى بائعة أحلام ماركيز، لعلها تجد لك تفسيراً ونصيحة..
- وأين أعثر على البائعة هذه؟
- في كتاب القصص القصيرة الكاملة لماركيز.
في اليوم التالي تملكها الفضول في أن تقتني قصص ماركيز، وأول ما تقرأ: قصة بائعة الأحلام، اندهشت من سحرية المرأة وكيف أصبحت ثرية ببيع الأحلام.. (يا ليتني أصبح مثلها)، ومن ثم تراجعت عن أمنيتها حينما عرفت أنها ماتت إثر هبّة بحرية ضربت سيارتها بقوة كما في القصة..
لكنها أعادت قراءة القصة مراتٍ عدة، بقيت مأخوذة بهذه البائعة، لم تتحدث مع صويحباتها على الفيسبوك رغم أنهن كنّ فضوليات لمعرفة حالها اليوم، طلبن الحديث لكنها تجاهلتهن.
بعد نومها بوقت قصير تجلت لها بائعة أحلام ماركيز، الأخيرة تقول للنائمة: لماذا بعثتني من جديد؟ لم ينقذني أي شيء
فقالت: كي تعينيني على إخراجي من غابة أحلامي، ليس لها بداية ولانهاية.
- وهل أستطيع إخراج نفسي من صحراء الموت، كي أستطيع إنقاذك؟ فهي مغلقة المخارج، بينما غابة حياتك فيها ألف بابٍ مفتوح.
استيقظت مندهشة لما جرى بينها وبين بطلة ماركيز فدوّنته في دفتر، وضعته تحت وسادتها. وأخيراً أصبح لها حلم تتذكره. عادت للنوم مرتاحة الأسارير..
ظلت تفكر في يقظتها ومنامها ببائعة أحلام ماركيز، متمنية بين ليلة وضحاها أن تحلم مثلها، أن تتنبأ بأحلامها بمصائر الآخرين، فتبيعهم هذه الأحلام، وحين عجزت في أن تكون لها هذه المقدرة، توجهت إلى كاتب القصة، قائلة: إصنع مني بائعة أحلام، كما فعل ماركيز ببطلته.
فقال لها: صنعتك في البداية عاجزة عن تذكر حلم، ما اضطرك إلى إنشاء مجموعة فيسبوكية عن الأحلام، وأصبحت مدمنة قراءة قصص ماركيز، وأصبح لديك حلم تتذكرينه. ها أنت تتقدمين..
فأجابته مستفسرة: خطوة أخرى.. وأصبح بائعة أحلام؟
قال لها بتململ: نحن الكتاب دائما نصرّح.. حذار من السرقة ..حذار من التقليد.. إذهبي ..تهيئي للنوم .. ستحلمين بما هو يروقك
(كان حبيبها القديم متوتراً، يسرّع خطاه جيئة وذهاباً، في الممر الذي تقع فيه صالة ولادة العمليات القيصرية، حيث ترقد زوجته الحامل بانتظار إجراء عملية ولادة السادس ذكراً هذه المرة، فلديهما ولد واحد وأربع بنات إحداهن الكبرى، يليها الولد ثم ثلاث بنات، يرغبان بذكرٍ للموازنة مع البنات والحفاظ على اسم الأب. يتنازعانه هاجسا الخوف على الزوجة واللهفة للوليد...أجريت العملية.. كل شيء سينتهي في وقتٍ قريب.. عدّها أصعب لحظات حياته ..ازدادت سرعة خطواته جيئة وذهاباً.. إلى أن سمع صراخ طفلٍ وعويل نساء. اندهش وبكى، هذه الحياة لا تعطي إلا حين تأخذ...
لم تنقضِ أربعينية زوجته، ورأسه تصدّع بأمور البيت، ورعاية الذكر الوليد، وبقية الأولاد.. ماذا يفعل؟ تصور نفسه مذنباً بحق الراحلة، حين لاحت طلائع فكرة شيطانية، أو كما المنقذة إن كانت ملائكية، ماذا لو أعاد رابط الود مع حبيبته.. الأرملة.. ولكن لديها بنتان.. يا إلهي...عائلة جديدة مكونة من ولدين وست بنات..
هجمت عليه كوابيس المشاكل البيتية الجديدة .. فيما لو تم الأمر على
ما يرام.. سيكون متحدياً.. لا يخلو تحديه هذا من طرافة.
عزم على ذلك، معيداً شيئاً فشيئاً خيوط الوصل بينهما، عبر (الفايبر والماسنجر)، كانت متفاجئة لفيض حبه العزوم، الذي هجم عليها. أعاد تاريخ علاقتهما السابق تحفظها، ماذا يريد مني.. هل يتملعب ويتردد على هواه؟ لا.. لا لن أسمح له.
قالت له في اليوم التالي: ماذا تنوي...لنضع حداً لما بيننا بحسب ما تنوي...أسرع في الإجابة: أريد الزواج منك وجمع شمل عائلتينا.
استيقظت فرحةً لأنها انتشلت من بئر نومها حلماً كاملاً.. ولم تطل فرحتها، فلئن عاشت قصة حبها من جديد، ورسمت له نهاية سعيدة، لكنها قائمة على حساب موت إنسانة أخرى، فقد قرفت من قصص الموت في بلادها.. نهضت فجراً تبكي تطهراً من أدران علقت في أعماق نفسها.. كي تسوّر قصة حبها بذكريات جميلة فقط، ثم تودعها في خزانة النسيان إلى الأبد.