ربما ليس مجنونًا... لكن لديك فكرة مجنونة!؟
جلس أبو آدم في مقهى يحمل اسم صاحبه، "أبو غدير"، في منطقة شعبية مكتظة بالناس وسط بغداد. كان على موعد مع صديقه الذي يسكن في منطقة العمارات السكنية (مجمع بسماية) عند الساعة الرابعة مساءً. في نهاية شهر حزيران ٢٠٢١، كانت الأجواء حارة للغاية، حيث بلغت درجات الحرارة 48 درجة مئوية. ا
المارة يتنقلون أمام المحلات، يدخلون بعضها أحيانًا، ليس للشراء بل هربًا من الحر. على الأرصفة، يقف الباعة يعرضون بضائعهم، رؤوسهم مغطاة بقطع قماش مبللة، وإلى جانبهم مظلات ومراوح ترش الماء كأنها "دوش" مجاني تحت الشمس الحارقة. ا
كانوا يروجون لبضائعهم بأسلوب بسيط لكنه عملي، عبر تسجيل صوتي متكرر من جهاز كاسيت متصل بمكبر صوت. ا
أبو آدم بدأ يشعر بالملل من الانتظار والحزن من الحالة البائسة التي يعيشها الناس. كان يسمع البعض يشكون حالهم لله، بينما آخرون يلعنون حظهم ويلقون باللوم على كل شيء. عينه كانت تتنقل بين باب المقهى، الشارع، والساعة المعلقة على الجدار. ا
بينما هو غارق في أفكاره، شدَّ انتباهه مشهد غريب... شخص يقف على الرصيف تحت المروحة التي ترش الماء... بهدوء بدأ هذا الرجل يخلع ملابسه. خلع القميص والفانيلا أولًا، ثم السروال، وأخيرًا اللباس الداخلي، حتى أصبح عاريًا تمامًا، ممسكًا بصابونة يغسل بها رأسه وجسمه. المارة أبدوا اهتمامًا كبيرًا، وكأن الأمر غير عادي بالنسبة للبعض.ا
الباعة انقسموا في ردود أفعالهم: بعضهم وجدها فرصة ليلفت الأنظار إلى بضاعته قائلًا: "اتفرج واشتري!"، بينما صرخ آخرون: "عيب، يمكن الزبائن يهربون منا!". المارة أيضًا اختلفت ردود أفعالهم؛ بعض الشباب ضحكوا وهم خجلون من الموقف، فيما قال أحدهم: "الحر قاتل... حقه يسوي هيجي."ا
الرجل استمر في "الدوش" المنعش غير مبالٍ بالصياح أو بالكلمات غير اللائقة. ويتحدث مع نفسه بصوت مسموع (اريد أنظف جسمي ما علق به من اوساخ لفترة أكثر من خمسة وعشرين سنة مضت...! ا
أحد المارة قال: "هذا ربما مجنون." شاب آخر علق بحماس : "لا، هذا ابو حاتم أبو الكل و صديقي.." فيما عبَّر رجل ملتحٍ يرتدي عمامة عن استيائه قائلًا: "ربما هذا الشخص يريد إفساد المجتمع وله علاقات خارجية."ا
رجل آخر يحمل كتابًا في يده، بدا مثقفًا، قال: "يجب عليه أن يحترم تقاليد وعادات المجتمع." أما النساء المارات، فقد تنوعت تعليقاتهن. إحداهن قالت: "يا خطية، كاتله الحر." بينما علقت أخرى: "هذا مجنون ما يستحي." زوجها طلب منها أن تلتفت للجهة الأخرى قائلًا: "يجب أن نبلغ الشرطة."
مشهد آخر زاد الموقف غرابة: امرأة تمر بجانب الرجل العاري مع طفلها الصغير. فجأة، بدأ الطفل يخلع ملابسه ووقف بجانبه ليأخذ "دوشًا منعشًا" هو الآخر. عند هذه الموقف، ضحك بعض المارة فيما وقف آخرون في حالة ذهول. ا
بعد قليل، وصل صديق أبو آدم أخيرًا. قال له أبو آدم: "لقد فاتك مشهد من المأساة المضحكة في هذا المسرح الكبير. حقًا... للجنون فنون كما يقال!"ا
27-12-2024