في صباح اليوم الرابع، عاد محمد غريب إلى العمل بعد غيابٍ دام ثلاثة أيام. دخل إلى المطبعة بابتسامةٍ واسعة، وبدأ يوزع الحلوى علينا بيدين ترتجفان من الفرح. لم ننتظر تفسيرًا، فالبشرى كانت واضحة على وجهه. "رزقني الله بولدي الأول!" قالها بصوتٍ مفعم بالزهو، "وسميته رزكار."

تقدّمنا منه واحدًا تلو الآخر بالتهاني، نربّت على كتفه، نشارك فرحته. ولكنني، ودون تفكير، سألته:

— "أخي محمد... لكن اسم رزكار كردي، أليس كذلك؟"

نظر إليّ نظرة خاطفة، ثم أجاب بلهجة فيها شيء من الحدة:

— "نعم، اسم كردي. وأنا أيضًا كردي. سميت ابني بهذا الاسم كي لا ينكر أصله... لأن الاسم هوية."

ساد الصمت برهة. لم نكن نعرف أن محمد كردي. لقد كنا نراه دومًا بعثيًا ملتزمًا، وعضوًا في الجيش الشعبي، مثله مثل الكثير من العرب. تمتم أحد الزملاء بدهشة: "حقًا أنت كردي؟!"

ابتسم محمد ابتسامة حزينة وقال:

— "دعوني أحكِ لكم القصة..."

كنا، أنا وأخي فائق، من أعضاء الحزب، ومُنتميين للجيش الشعبي. حين أعلن الحزب عن حملة تطوع لمناصرة إخوتنا الفلسطينيين في لبنان، لم نتردد. توجهنا فورًا إلى ساحة ثانوية كركوك، حيث تجمع حشدٌ كبير من المتطوعين، كلّهم يحملون السلاح ويهتفون بشعارات التحرير.

وقف مسؤول الجيش الشعبي على منصة خشبية، وبدأ يدعو للتطوع. رفعنا أيدينا، أنا وأخي، وتقدمنا نحو المنصة بكامل عدّتنا. صعدنا إليها وسط التصفيق والهتاف، وسمعنا من كلمات الإطراء ما لم نسمعه طيلة حياتنا.

شعرنا حينها كأننا نملك جناحي نسرٍ نحلق بهما فوق سماء كركوك.

بدأ المسؤول يسجل أسماءنا ومناطق سكنا. وحين نطقنا باسم حيّ "إمام قاسم"، تغير وجهه. نظر إلينا بتمعن، ثم سأل:

— "أنتم من حي إمام قاسم؟ يعني أنتم أكراد؟"

أجبنا بصوتٍ واحد: "نعم، رفيق، نحن أكراد."

صمت للحظة، ثم قال بلهجة باردة:

— "تفضلوا، ارجعوا إلى بيوتكم."

جُرّدنا من سلاحنا أمام الجميع. لم يُوجّه لنا إهانةً لفظية، ولكن وقع الجملة كان أشد من أي إهانة. نزعنا ملابس الجيش الشعبي، رميناها على الأرض، ومشينا نحو البيت بخطى ثقيلة.

في تلك الليلة، بدأت زوجتي تشعر بألم الولادة. أخذتها إلى المستشفى، وفي صباح اليوم التالي، وُلد رزكار.

لهذا السبب، اخترت له هذا الاسم. لأمنحه هوية، ليتذكر أصله، وليعرف أن كرامته لا تُشترى بالانتماء إلى حزب أو رتبة أو شعار.

سكت محمد للحظة، ونظر إلى الحلوى التي لم تُوزّع بعد، ثم قال:

— "سميت ابني رزكار... لأن الاسم هوية. وأنا لن أسمح له أن يُخدع كما خُدعنا."