إغتنم والده الفرصة، لن يُضيّع هذه المرة إجازة إبنه، اسبوع يكفي لاجراء طقوس الزواج، إبنه يَرغبُ بها وأهلها لم يترددوا في قراءة الفاتحة، إمتزجت الهلاهل بأضواء الفرح، أهازيج الاصدقاء تزيد من توتره، خطوات فحولته تتعثر بمطبات الخوف الموروث، تقهقرت الجموع الراقصة عند باب غرفة العروس.
ـ حبيبتي، صدقيني لن تستطيع الذئاب أن تسرق احلامنا، وتُهدم مابنيناه من حب بعطر اجسادنا، سأعود لاتخافي، أيام وعسى أن تنجلي غيمة الحرب وتشرق الشمس من جديد على مُددننا الحزينة.
ـ حبيبي، ستعود حتما لي سالماً، يجب أن تنام فلم يبقَ من الليل إلا سويعات، وعليك أن تنهض باكراً للالتحاق بالجبهة.
قالتها ودمعة تُطرز خوفها في صمت على الوسادة المخملية.
توسَدَ قبعته في الخندق الامامي، ساعات الليل المرعوب تسري ببطء، إنفجارات القنابل تـُحدِث ُحفراً هائلة في سكون المكان، الوميض المتقطع للصواريخ المنفلقة، يُزاحم النجوم المنتشرة في سماء الخنادق، حاول أن يتصنع إغفاءة سريعة، خطفته احلام السعادة المؤجلة المخلوطة برائحة البارود والجثث الممزقة المنتشرة من حوله،
دفءُ جسدها الندي أنار له وحشته، تـئـزّ رصاصة مجنونة فوق رأسه لتُثقب صورة حبيبته المعلقة في مخيلتهِ فيفزُّ مذعوراً، سَرتْ رعشةٌ حوله في ظلام الانتظار.
ـ الى الامام... هجوم...
صرخةُ هلوسةٍ شقّت سواتر الذكريات، إندفعتْ الاجساد هائمة نحو المجهول، همهمات وشتائم إمتزجتْ بأزيز الرصاص، خوذٌ تدحرجتْ بين جثث بلا اسماء، تأوهاتٌ تعفرتْ بتراب البارود، ركضَ يميناً وشمالاً ليتجنب الموت المتناثر، شَعرَ بجسده يعانق السماء.
إكتضّت غرف المستشفى بنواح الزوار، برُعبٍ قرأتْ اللوحَ المعلق على السرير:
"بُـترتْ ساقاه من الاعلى بلغمٍ أرضي".
................
2010.02.04
البصرة