8/10/2025
في أحد الأيام التي لم يعد يبالي بعدها بتقويم السنوات، ترك أدهم عمره يسير كيفما شاء. قال في نفسه:
ربما أكسر وحدتي وعزلتي إن ذهبت إلى المدينة.
صعد القطار المتجه إلى هناك، وجلس قرب الشباك الزجاجي. لم يلتفت إلى من يركب أو ينزل، إلا أحيانًا حين يسمع ضحكات شبان يتصايحون فيما بينهم. كان غارقًا في النظر إلى الطبيعة الممتدة بمحاذاة السكة، الطبيعة التي لم تبخل عليه بجمالها، فتساءل:
"ولِمَ أبخل عليها أنا بنظرة؟"
مضى القطار، ومضى أدهم في تأملاته، لم يعد يحسب للوقت حسابًا، وكأنه يسير ببطء، لا يهمه إن أسرع أو تباطأ.
وحين صعد المترو داخل المدينة، شعر بشيء من الفرح وهو يرى الناس يتسابقون صعودًا ونزولًا. جلس قرب النافذة، تاركًا هاتفه في جيبه، في حين انشغل أغلب الركاب بمتابعة شاشاتهم الصغيرة. أما هو فكان مشغولًا بالمحطات التي سيمر بها.
نزل في مركز المدينة. وقف برهة أمام لوحة معلقة: رسمٌ لشخص وشجرة، وظلهما أطول منهما بعدة أمتار. تساءل:
"لماذا جعلهما الرسام أكبر مما هما عليه في الواقع؟"
ابتسم وهو يتذكر طفولته. كان يتنافس مع أصدقائه: مهدي، عمر، وسلوان، أيهم يكون ظله أطول من الآخر. كانوا يقفون تحت الشمس حتى وقت الظهيرة حين تتقلص الظلال وتلتصق بالأجساد. لم يكن يهتم بالفوز، بل كان سعيدًا بمتعة اللعب المتجددة معهم كل يوم.
لكن الأيام دارت، وتغيرت الظروف، وانشغل كل واحد منهم بحياته الخاصة، وغاب اللقاء. عندها أحس أدهم أن ظله يعاتبه:
– لماذا لم تعد تلعب معي كما كنت طفلًا بريئًا؟
– كبرتُ يا صديقي، ولم أعد أبالي بك. لا أريد أن أكون أكبر من حجمي بخلاف الواقع. أحبك ملاصقًا لجسدي، فأنت الوحيد الذي سيرافقني طيلة حياتي. لكن كلما تقدمتُ في العمر شعرت أنني وأنت نصغر معًا.
فقال الظل:
– لكن أصدقاءك والكثير من الناس صاروا يتسابقون ليجعلوا ظلالهم أكبر من حقيقتها، تحت الأضواء الكبيرة التي تضخم صورهم على الجدران.
– هذا شأنهم، أجاب أدهم.
– بل هناك من يصنع ظلالًا كثيرة لشخص واحد ليبدو أعظم حجمًا من الآخرين!
– ربما... أما أنا فقد اخترت نمط حياتي، ولو جاء متأخرًا.
قهقه الظل ساخرًا:
– إذن ستبقى وحيدًا ومنعزلًا!
ابتسم أدهم بهدوء وقال:
– لن أكون وحيدًا ما دمت أنت معي.
– لكنك ستظلمني معك ما حييت!
نحن واحد، لا نفترق. عشنا معًا وسنموت معًا...( فأنت ربما كما انا لا نخاف النهايات...)
وقال في سره:
"نحن معًا، مطمئنين، مهما تغيّرت الأضواء