انا من مواليد مدينة الرمادي، واكملت دراستي الثانوية فيها، وعندما تخرجت في العام 1973، التحقت بالجامعة المستنصرية، وبعد نجاحي الى الصف الثاني، وبسبب نشاطي المميز في الحزب ورابطة المرأة العراقية، حصلت على زمالة الى الاتحاد السوفيتي، وقد سلمتني قرار الزمالة الرفيقة سعاد خيري، فكانت فرحتي لا توصف لأني سوف ادرس في بلد لينين.
غادرت العراق في يوم 24/ 8/ 1974 الى موسكو، وكنت في الايام الاولى اشتاق الى العراق الى درجة البكاء، وخاصة في ليالي الشتاء الباردة جدا، حيث درجة الحرارة تصل 37 تحت الصفر!. وفي السنة الثانية، تفرقت مجموعتنا كل حسب الاختصاص الذي جاء من اجله، فكان نصيبي ان ادرس في جامعة كييف في اوكرانيا (قسم العلاقات الاقتصادية الدولية).
تخرجت من الجامعة في 4/ 6/ 1980، وذهبت الى الجزائر للبحث عن عمل، حيث اصبحت العودة الى العراق مستحيلة بعد انهيار التحالف مع البعثيين. عملت مدرسة بمعهد العلوم الاقتصادية التابع لجامعة وهران، وبعد فترة اخبرنا مسؤولنا الحزبي، بأنّ الرفيقات يمكنهن الالتحاق بحركة الانصار، وفعلا قدمت رسالة للحزب، طلبت فيها الذهاب الى كردستان. بعد فترة، جاء قرار الموافقة على سفري الى دمشق ومن هناك الى الجبل، وكنت جدا سعيدة بذلك.
وصلت الى دمشق في نهاية 1981، وبقيت تقريبا ستة اشهر في بيت حزبي للرفيقات بمنطقة مساكن برزة، وفي بداية شهر السابع، سافرت الى القامشلي، ولم يخطر ببالي او افكر بالصعوبات التي ستواجهني في الجبال والكفاح المسلح، لقد كنت مدفوعة بعنفوان الشباب واحلامه وطموحاته. بقينا في القامشلي اقل من شهر في بيت (ابو نادية)، وكان معي الشهيد (ابو علي) الذي استشهد في بشتاشان والشهيد (ابو الوسن) والمرحوم (ابو تانيا) والمرحوم (ابو سناء) واحد الرفاق اسمه عدنان، الذي لم يواصل الطريق وعاد الى دمشق.
كنت امضي اغلب الوقت مع الرفيق الراحل ابو تانيا (سلام)، لأني اعرفه من ايام الدراسة في الاتحاد السوفيتي، وكنا نخرج للتدريب على السلاح والمشي، لكي نتهيأ للعبور، وفي 20 تموز تحركت مفرزتنا، وفيها خمس رفيقات، (ام ليث، ليلى، ملاك، ام رحيل، وانا)، وكان معنا رفيق اسمه محمد من اهل الموصل لا اعرف اين هو الان، امّا الدليل فكان الرفيق صوفي من رفاقنا الاتراك، بينما سلاحنا كان مسدس صغير الحجم فقط.
كان العبور خرافيا، فما ان تجاوزنا التبليط بالاراضي التركية، حتى بدأ رصاص القناص يئز فوق رؤوسنا، كنا نركض ونتعثر بالحفر التي تنتشر في الارض الزراعية المحروثة حديثا، ولا اتذكر كم من الوقت ونحن على هذه الحال الى ان وجد الرفيق صوفي زريبة حيوانات لنختبئ بها، كانت الرائحة كريهة والبراغيث لم تتركنا ان ننام رغم التعب الشديد. كان الامر صعبا جدا، وكانت الرفيقة ملاك لا تستطيع المشي، فركبت على ظهر البغل، وعندما وصلنا الى القرية في اليوم الثاني، تعجب الاهالي حين عرفوا انّ هذه مفرزة بنات.
اختبئنا في جبال فينق، وهي شاهقة وجميلة، وفيها اثار وكهوف، وكنّا ننتظر مفرزة الطريق التي ستوصلنا الى ارض الوطن. بعد عدة ايام من الاختباء، جاءت مفرزة الطريق بقيادة النصير ابو ريتا والنصير ابو خولة وعدد اخر من الانصار، فتحركنا معهم وسلكنا طريقا وعرا لعدة ايام حتى وصلنا الى (شكفتة) الرفيق ابو حربي، ومنها الى المقر في بهدينان، وخلال الطريق كان الرفيق ابو ريتا يشد من عزيمتنا بمزحه ومرحه وغناءه، خاصة للرفيقة ملاك، ((ليش ليش تعبانة.. نامي على خدود البغل.. ليش تعبانة)).
طبعا عندما وصلنا الى قاعدة بهدنان، فرح الرفاق بنا كثيرا، معتبرين انّ وصول خمس رفيقات الى كردستان في يوم واحد عيدا كبيرا!، لكننا لم نمكث طويلا في هذا المكان، فواصلنا تحركنا نحو بشتاشان، وتلك قصة اخرى.