تجربة الحركة الانصارية للحزب الشيوعي العراقي، فريدة من نوعها، فهي تميزت عن غيرها من الحركات المسلحة في العديد من المجالات، منها ان الحزب اعتمد بشكل شبه كلي، على اعضاءه من الرفيقات والرفاق الشباب في معركته ضد الدكتاتورية. كما انّ هؤلاء الرفاق، عملوا في بيئة غريبة عليهم من حيث التضاريس الطبيعية (الجبال والوديان)، ولغة سكان المنطقة وتقاليدهم المختلفة شيئا ما، لا سيما وانّ اغلب الانصار جاءوا من محافظات بغداد والوسط والجنوب، بالاضافة الى ذلك، فأنّ ما يميز هذه التجربة، مشاركة الرفيقات النصيرات في الكفاح المسلح وسط منطقة فلاحية وعشائرية ليس للمرأة فيها دور يذكر، مما شكّل تحديا كبيرا امام رفيقاتنا، اللواتي نجحن بكل معنى الكلمة في إثبات وجودهن وحصلن على أحترام وتقدير الجميع.
ورغم ان قيادة الحزب، وفي أكثر من مناسبة، عبرت عن اعتزازها بالحركة الانصارية، بوصفها (صفحة مشرقة من صفحات تاريخه)، لكن، وللاسف الشديد، لم تحظ هذه التجربة بالاهتمام الجدي، ولا بالتغطية الإعلامية الكافية، ولم يجرِ بشكلٍ وافٍ، توثيق المآثر والبطولات التي سطرها الانصار البواسل خلال سني تلك المسيرة الكفاحية المجيدة.
والآن، وبعد مضي اكثر من ثلاثين عاما على توقف الحركة الانصارية، وما رافق ذلك من تقدم في اعمار المشاركين فيها، وظروفهم الصحية، والعطب الذي تصاب به الذاكرة نتيجة لذلك، بالاضافة الى الموت الذي بدأ يخطف هذا او ذاك منا، وخوفا من طمس ومحو هذه التجربة الرائدة، وحرمان الأجيال القادمة من استلهام دروسها وعبرها خلال نضالها من اجل الحرية والكرامة، برزت فكرة صدور جريدة، تعنى بتوثيق هذا التاريخ المشرف، من خلال كتابات ومساهمات الرفيقات والرفاق الذين خاضوا التجربة ذاتهم، فصدرت في تموز 2021 (جريدة النصير الشيوعي / بيشمه ركه ي شيوعي)، والتي استقبلت من قبل النصيرات والانصار بكل حفاوة وترحيب، وعبر الجميع عن حاجتهم لها، وحرصهم على تطويرها، لكي تكون وثيقة ذات مصداقية، وأمينة على تاريخ الحركة.
هذه الجريدة، بالاضافة الى مهمتها الكبيرة في توثيق وارشفة تاريخ الحركة الانصارية، فانها تنطق بأسم رابطة الانصار الشيوعيين العراقيين، وتعبر عن سياستها ومواقفها في المجالات كافة. كما تهتم وتنشر، جميع فعاليات ونشاطات الرابطة وفروعها المنتشرة في مختلف بلدان العالم، وايضا تتابع الجريدة النشاط الابداعي الفردي للنصيرات والانصار في ميادين الكتابة والمطبوعات والابداع الفني والعلمي، وكل ما هو جديد لديهم.
لقد غطت مواضيع الجريدة جميع عناوين تجربة الانصار الشيوعيين، فلا يخلو عدد من اعدادها الا وتحدث عن مأثرة شهيد وظروف استشهاده، واستذكار الرفاق الراحلين ودورهم في التجربة، وايضا المعارك الانصارية بمختلف ساحاتها ونتائجها، ونشرت الجريدة كم هائل من الكتابات التي تتناول تفاصيل الحياة اليومية للانصار وما رافقها من صبر وتحدي. بالاضافة الى المواقف الانسانية والثقافية والفنية والاعلامية وهي غنية وتستحق التسجيل والتوثيق.
كما افردت اعداد (جريدة النصير الشيوعي)، مساحة خاصة، لتدوين تجربة النصيرات، سواء كان ذلك من خلال كتاباتهن، او المقابلات التي اجريت مع بعضهن، او حث الاخرين من الرفاق الانصار على الكتابة عن دورهن. ان وجود النصيرات ضمن حركة الانصار الشيوعيين، يبعث على الفخر والاعتزاز، فلأول مرة تلعب المرأة العراقية دور المقاتلة من اجل الاطاحة بنظام ظالم.
تميزت جريدتنا عن غيرها من الصحف العراقية، بانها اختصت بتدوين احداث تجربة نضالية محددة، امتدت لسنوات طويلة، وهي تجربة الكفاح المسلح الذي خاضه انصار الحزب الشيوعي العراقي، منذ انقلاب شباط الاسود في عام 1963، ولاحقا ضد الدكتاتورية الصدامية منذ عام 1979 وحتى بداية التسعينات.
تلقت (جريدة النصير الشيوعي(، ومنذ انطلاقتها، الكثير من الدعم والمؤزارة والتشجيع، من لدن اللجنة التنفيذية لرابطة الانصار الشيوعيين العراقيين وفروعها، بالاضافة الى مؤازة وتضامن العديد من النصيرات والانصار، الذين رفدوا الجريدة واغنوا صفحاتها بما جادت به مخيلتهم وذكرياتهم عن تلك السنوات المجيدة، فكان هذا الدعم مصدر استمرارها وتطورها. كما لعب تعاون وتعاضد الرفاق في هيئة التحرير، دورا رائدا في مواصلة صدور اعدادها الشهرية.
ان ديمومة واستمرار (جريدة النصير الشيوعي)، في اداء وظيفتها، تتطلب منّا جميعأ، شحذ الذاكرة لرفدها بمواقف وقصص وذكريات لم تر النور بعد، كما ينبغي علينا ومن أجل إنصاف رفاقنا الشهداء والذين رحلوا عنا، بالكتابة عن بطولاتهم، وتدوين مسيرتهم، وتوثيق محطات حياتهم النضالية.
واليوم ونحن نطفئ الشمعة الثالثة على انطلاق (جريدة النصير الشيوعي)، نعبر عن اعتزازنا بالمحاولات الأولى التي أسهم بها الانصار، وبمواقعهم المختلفة، لتدوين تجاربهم اليومية اثناء فترة الحركة الانصارية، عبر أشكال فنية متنوعة، فعلى الرغم من الظروف الصعبة والقاسية والتي لا يتوفر فيها الحد الادنى من المستلزمات الضرورية، لكنّ النصيرات والانصار استطاعوا آنذاك، ان ينجزوا الكثير في مجال الكتابة والتدوين من اجل توثيق التجربة بتفاصيلها الكثيرة. لكن، ونتيجة الى الهجوم الذي شنته قوات النظام ومرتزقته في ما يسمى بالانفال سيئة السمعة، ضاع الكثير من هذه الوثائق المهمة التي نحن اليوم في امس الحاجة لها.
ان هذا السفر النضالي المجيد وصفحاته النضالية المشرقة، والمآثر البطولية التي اجترحها الانصار، يدعونا، الى التمسك به والحفاظ عليه، ونقله من خلال (جريدة النصير الشيوعي)، إلى أوسع قاعدة جماهيرية ممكنة، وان لا ينحصر توزيعها على عدد محدود ومعروف فقط، لذلك علينا نحن الانصار في الرابطة وفروعها، وعلى حزبنا ومنظماته، تقع مسؤولية توزيع الجريدة، وان تكون هذه المهمة من الاولويات.