الرفيق النصير (أبو تحسين)، مسيرة نضال حافلة بالعطاء والتضحيات
شخصية متميزة، ذاع صيتها في الجبال والوديان. يعرفها اغلب انصار الحزب الشيوعي العراقي الذين تصدوا لهمجية النظام الدكتاتوري البائد. هو ابن مدينة الثورة ومن احيائها المعدمة. عامل الزيوت منذ ان كان في الـ 14 من عمره. من عائلة شيوعية كادحة. عاش طفولة لم تكن سهلة بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي مرّ بها، خاصة بعد وفاة والديه، حيث اصبح مع اخيه مسؤولان عن اعالة شقيقاتهما الثلاث.
انه الرفيق النصير عبد الزهرة حسين علوان اللامي (أبو تحسين)، الذي إلتقته جريدة النصير الشيوعي في العاشر من اب 2025 في بيته بستوكهولم، وأجرت معه حوارا قصيرا حول الظروف الصعبة التي عاشها وعائلته في العراق، وخروجه الى الاتحاد السوفيتي، ثم تلبيته نداء حزبه (الالتحاق بحركة الانصار الشيوعيين في جبال كردستان).
النصير الشيوعي: نحن نعرف انك عملت منذ الطفولة في عدة مهن، آخرها في معمل الزيوت النباتية، هل تحدثنا عن تلك الظروف؟
أبو تحسين: لقد مرت على العراق وشعبنا ظروف ليست سهلة، خاصة في السنوات بين 1950 الى 1980. في هذه الفترة، عاشت الكثير من العوائل، ومنها عائلتنا، ظروف اقتصادية صعبة، مما اضطرني وانا في عمر 12 سنة للعمل في مهن مختلفة من اجل توفير لقمة العيش لعائلتي، ثم عملت بشكل مؤقت لمدة تسعة اشهر في معمل الزيوت النباتية في بغداد، حتى تم تثبيتي في المعمل عام 1964 وكان اخي احد عماله.
ان دخولي لمعمل الزيوت، اكسبني حياة تختلف عن سابقتها، وتكونت لي علاقات اجتماعية جديدة. بعد فترة تعرفت على الشيوعيين وصادقتهم، وكان لاخي عبد الكاظم العضو في الحزب الشيوعي العراقي، تأثيرا كبيرا عليّ وعلى توجهاتي السياسية. كما كان لمجموعة من العمال الذين اصفهم بالخامات الحزبية النظيفة واللطيفة، تأثيرهم الواضح على وعيي في مجال الصراع الطبقي والفكري والسياسي.
في معمل الزيوت ايضا، إلتقيت بالرفيق حيدر فيلي الذي كنت وإياه في مدرسة ابتدائية واحدة، وكانت تربطنا علاقة جيدة. في هذه الفترة التي تميزت بالنشاط السياسي والصراع الطبقي، نشأت لي علاقات اخرى وطريق تفكير اخر، فاخترت الشيوعية طريقا لي وانضممت الى الحزب الشيوعي العراقي.
بعد سقوط الحرس القومي في تشرين الثاني 1963، ومجيئ عبد السلام عارف، وتبوء النقابي المعروف (هاشم علي محسن) مسؤولية رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في العراقي، نشأ صراع اخر بيننا في كل المجالات، خاصة في قضية الانتخابات العمالية، واستمر هذا الصراع حتى عودة البعث مرة أخرى عام 1968. في هذا المجال، لابد لي ان اشيد بدور احد النقابيين الشيوعيين من مدينة القوش، اسمه (سعيد تومكا)، الذي دافع عن العمال واهتم بالشباب وكسب الكثير منهم. كان بحق مناضلا قوي الشخصية.
في 5 تشرين الثاني من عام 1968، قمنا بالاضراب الشهير (اضراب عمال الزيوت)، حيث شنت السلطة هجومها الوحشي على المضربين، مما ادى الى استشهاد العامل النقابي والشيوعي المعروف جبار لفته، وأُصيب عدد من العمال بجروح، كما اعتقلوا حوالي 40 اخرين، اغلبهم من الخط الأول (الشيوعيين العلنيين)، ومن بينهم الرفيق حيدر فيلي، والنقابي عبد جاسم (القيادة المركزية)، علما بان هناك خط اخر من الشيوعيين غير المكشوفين.
النصير الشيوعي: كيف خرجت من العراق، وكيف إلتحقت بالحركة الانصارية؟
أبو تحسين: في فترة البعث، كنا نعيش صراع طبقي وسياسي وفكري كبير، في داخل معمل الزيوت وخارجه، وكان البعثيون يحاصرون الشيوعيين في كل شيء، لكن الشيوعيين في المعمل يتمتعون بسمعة جيدة ويحظون باحترام العمال.
في عام 1978، ونتيجة المضايقات في المعمل، ساعدني الحزب بزمالة الى الاتحاد السوفيتي، فسافرت في 31 / 8 / 1978، والذي سلمني جواز وبطاقة السفر، هو الرفيق كامل كرم (أبو علاء). كنت ممنوع من السفر، ولكن صادف ان يكون سفري في نفس يوم (عرفات)، حيث الكثير من الاخوة المصريين ينوون السفر الى اهلهم قبل العيد، ولهذا ختموا جوازاتنا بسرعة ومن دون تدقيق في الأسماء.
بعد 9 اشهر من الدورة الحزبية، سافرت الى سوريا، ثم الى لبنان التي خضعت فيها الى التدريب العسكري لعدة اشهر، بعدها سافرت مرة اخرى الى دمشق، ومنها الى كردستان العراق التي وصلتها في كانون الثاني 1980. نُسبت الى السرية الثانية في (كلي كوماته)، وتوليت مسؤولية امر فصيل السجن. وبعد فترة، أُنيطت بي مهمة آمر سرية مقر (زيوة) في قاطع بهدينان خلف مدينة العمادية، ثم اصبحت مستشارا سياسيا للسرية.
كنا نتعامل مع أمور عسكرية لا نستطيع ان نخالفها، بالاضافة الى ظروفي الخاصة التي تختلف عن الاخرين، لاني لمست الصراع الطبقي والاجتماعي عن قرب، كما ان عملي في قسم الصفائح (التنك)، أي علب الزيوت النباتية، كان له الاثر الكبير على تفكيري، بل حتى على صوتي الذي اصبح عاليا بسبب عملي في قسم الحدادة، حيث الصوت العالي طاغيا.
ان تجربة الكفاح المسلح تجربة كبيرة. اعطت للحزب قيمة فعلية امام الأحزاب العراقية الأخرى، خاصة وان حزبنا اول حزب في الشرق الأوسط يرفع السلاح بوجه الدكتاتورية الفاشية، وبمشاركة المرأة المقاتلة. ان الكفاح المسلح، هو ارقى اشكال نضالنا ضد دكتاتورية غاشمة إرادت ان تقضي على حزبنا الشيوعي العراقي، مستخدمة كل اساليبها القمعية في الملاحقة والاعتقال والتعذيب والاعدامات، مما اضطر الكثير من رفاقنا الى الخروج من العراق، واللجوء الى بلدان اخرى.
النصير الشيوعي: بعد 2003 ماذا عملت وأين كنت؟
أبو تحسين: رجعت للعراق، وبالذات الى بغداد العاصمة، وعملت في المجال العمالي، وساهمت مع غيري في محاولة اعادة العديد من العمال الذين نعرفهم الى العمل النقابي والسياسي. عملت في معمل المأمون للزيوت النباتية، وبقيت فيه مدة 8 اشهر تقريبا. لقد قدم الحزب كل ماعنده من اجل العمال، وتوعيتهم بحقوقهم، من خلال الندوات التي اقامها الشيوعيون لتوضيح وشرح قوانين وظروف العمل. لكن الذي يحز بالنفس هو البطالة المقنعة، والمعامل التي توقفت عن الإنتاج، بعد ان كانت خلال سنوات الستينيات والسبعينيات تصدر الكثير من المنتوجات الى دول الخليج. في هذه الظروف علينا ان لانقول خسرنا. انا اعتقد ان الظروف لم تخدمنا بشكل جيد وهي نتيجة ظروف موضوعية معروفة للجميع. والان سادت بعض الايديولوجيات المتخلفة التي تستغل الناس.
النصير الشيوعي: الرفيق ابو تحسين، هل من كلمة أخيرة؟
ابو تحسين: أقول أخيرا (تجري الرياح بما لا تشتهي السفن). للأسف الشديد، هكذا كانت الأمور مع الحزب، وحركتنا الانصارية، وابطالها الذين سطروا ايات من البطولة والتضحية من اجل القضية التي امنوا بها، ومنهم من ترك الدراسة والاهل والعائلة والتحق بالجبل في ظروف غاية بالصعوبة، لكنهم ذللوها بارادتهم القوية.
وبودي ان اقدم الشكر والاحترام للأنصار القائمين على صحيفة النصير الشيوعي متمنيا لها التقدم والازدهار.